انتظار

(1)
يسأل الطفل الصغير أمه بشفاه تحيطها هالة حمراء وبقايا اطعمة، على عينيه مؤشرات البكاء، صدره يرتفع ويداه مقبوضتان : متى سيأتي بابا؟
– قريبًا
يلتفت على أقرانه من أبناء عمومته يتوعدهم وهو يكتم عبراته، رافعًا سبابته: حينما يأتي سأجعله يضربكم أيها الأغبياء.
 (2)
 تمر الأيام، يسأل الطفل مرة أخرى وبيديه دعوة موقعة باسم مدرسته: أمي، هل سيأتي قبل موعد مجلس الأباء؟
– لا أعلم، آمل ذلك.
يميل برأسه الصغير، يتصور منظره وهو يتباهى بأباه أمام رفاقه، ممسكًا بيداه الكبيرتان يعرّفه على معلميه وطلاب فصله، يخبره عن البائع الكسول في مقصف المدرسة وعن قساوة حارسهم الذي اعتاد ان يهددهم كلما اقتربوا من بوابة المدرسة بعبارته الشهيرة “والله لا اشحطكم بالخيزرانة”.
(٣)
يأكل فتات البطاطس المقرمش ويلعق اصابعه ليتلذذ بحموضة الملح والليمون ثم يستند على مقعد سيارة خاله بيديه الملوثتين، ينظر إلى ابن خاله “سعيد” الساكن بجانبه متعبًا من حرارة الصيف، ينكزه ليتحدث معه، يرفض سعيد، ينكزه مرة أخرى ولا يجيب، وأخيرًا يبصق عليه بحنق وغضب. فيوبخه خاله ويضربه على شقاوته، يبكي الطفل ويصرخ: سأخبر والدي عنك أيها الأحمق، سأنتقم منك!
(4)
ساد نوعُ من البهجة، وصل الخبر المنتظر أخيرًا، سيأتي أبيه خلال الأيام المقبلة، يسمع جدته تهمهم: “سجنوه ظلمًا، أضاعوا عمره ضيعهم الله”، لم يفهم معنى حديثها.
أضافت: “سنحتفل بقدومه، نعم، حفلًا يليق به”، حفل؟ اذن بالتأكيد ستكون هناك الهدايا أيضًا، سيرسم لوحة أفضل من تلك التي أعجبت معلمه.
(5)
المنزل في حالة استنفار، أمه تنظف ما تحت الأريكة، خالته تساعدها وتطوف المنزل تطيبه بالمسك ،الأطفال يرقصون فرحًا، رائحة القهوة والكعك لا تختفي من تحت أنفهم، الجميع يترقب، ويتكرر السؤال كل نصف دقيقة عن موعد وصول والدهم.
كلما ابتعد الطفل عن باب المنزل عاد مسرعًا متحمسًا، يعد الدقائق والثواني، يمر الوقت ويشرف اليوم على الإنتهاء، وأخيرًا يُطرق الباب.
يركض الأطفال وتخرج النساء من دياراها، ترتفع أصوات الحمد وتهلل، يزدحم مدخل المنزل بالعائلة ويراقب الطفل بحماس. يُفتح الباب ويتحدث الكبار، لم يفهمهم.
يراقب بعينيه الصغيرتين الباب، ماذا حدث؟ لماذا صمت الجميع؟ متى سيدخل والدي؟ من هذا الرجل؟
هدأت الأصوات، انتشر نوع من السواد في المحيط، تردد أمه “ان لله وانا إليه لراجعون”، وتصرخ النساء، ترتفع أصوات البكاء والنحيب يلتفت ويتأمل لوحته التي رسمها بيديه الناعمتين ليفاجئ آباه، انتشر السواد أكثر، وحل الظلام.

اكتشاف المزيد من إيثار نزار

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليقاً